...وهاهو"سليم" غاضب كالعادة مع كل صباح لما يستيقظ ويجد نفسه كالمشرد بجيوب خاوية، وبدون دراهم ليشتري ذلك السم الذي يخدر به نفسه ويقتل تدريجيا فيه شابا حيويا، صراخ و هيستريا هنا، والأم هناك تمسك خديها بكل أسى راجية من الله أن يهديه تارة، وتارة أخرى تدعو الله أن يأخذه منها لتستريح ويضع نهاية لمعاناته ... يشرع في التفتيش بكل لهفة أينما ولى، في المطبخ ... في غرفة النوم ... لم يترك مكانا إلا و قلبه رأسا على عقب، بينما أخوه الصغير أنس وأخته حنان يقفان بذهول وسكون مطبق، لكي لا يصيرا كعثرة في وجه هيجان أخيهما، وفي الركن من المنزل يجلس الأب الهرم الذي لا حول له ولا قوة له على كرسيه المقعد يسبح و يتمتم بدعوات غير مفهومة و هو يوجه نظراته على ابنه بتلك العينين الجاحظتين ووجهه البسيط يعكس ضعفه اتجاه ما يدور من أحداث صاخبة في منزل كان فيه يوما هو سيده الآمر والناهي...
سليم عاش طفولة في حي شعبي وسط زملائه، طفولة مستنسخة، درس و تعثر وغادر مقاعد المدرسة مبكرا، ليجد نفسه عاملا في أي شيء يوفر له لقمة أكل أو سيجارة على الأقل باعتباره لا يزال يعيش تحت كنف العائلة مستفيدا من الأكل و الشرب والمبيت... لكن لما تقاعد الأب و كثرت مصاريف الحياة مع غلاء المعيشة لم يعد راتب الأب الهزيل يكفي لسد كل الحاجيات، في ظل مرضه المزمن الذي يلتهم نصيبا شهريا مهما... مع البطالة و تفاقم الأزمة المادية سليم تجاوز إدمانه السجائر إلى مخدرات بشتى أنواعها، طبعا فرفاق السوء لعبوا دورا مهما في فتح عالم الإدمان على مصراعيه لسليم، ناهيك عن التهميش والنقص اللذان يشعرون به هو وأبناء طبقته في مقارنتهما مع أولــئك الذين في عمرهم ويعيشون الرفاهية المطلقة،...اولــئك الذين ولدوا وفي فمهم ملعقة من ذهب،... أولــئك الذي يمرون على سليم وزمرته بأفخر السيارات،.... أولئك ...
سليم لازال هائجا، لم يجد ضالته بعد ولن يخرج من المنزل حتى يأخذ معه أي شيء يصلح لمقايضته بقليل من المخدر... فجأة نظر إلى أخته حنان ذات السبعة عشر عاما ولمح في عنقها سلسلة ذهبية كان قد جلبها لها أبوها بوعد منه لما تفوقت في إحدى سنواتها الدراسية، فدنا منها سليم كمن وجد كنزا، بدأ يطمئنها لألا تخاف، علمت الأم فيما يفكر و تحاول إبعاده منها، لكنه بقوته دفعها بعيدا، وأمام هذا الوحش اللذي يحاول سلب السلسة تسمرت حنان في مكانها دون حراك ودموعها الغليظة تنهمر بصمت رهيب،... لقد فعلها سليم وانصرف تاركا وراءه آلاما حادة، بل بقايا حرب قد نشبت وحطت أوزارها وكان المشهد كالتالي :
أب يتألم من الداخل ويندب على صرامة و رباطة جأش راحت مع الدهر...
أم تنهض لتعد الغذاء وتتسلل إلى المطبخ ماسحة دموعها لعلها تلملم جروحها...
أخ يرتجف من هول كل ما حدث ويختبئ وينتحب تحت إبط حنان...
وحنان التي تحاول تناسي الحادث، تطمئن أخوها أنس وتقول بعينين مغرغرتين مع ابتسامة خفيفة محاولة تلطيف الأجواء :"ماذا ستطبخين ل